الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
والواو على ما قال غير واحد للعطف وما بعده معطوف على {بِمَا كَسَبُواْ} وضعفه أبو البقاء بأن المستقبل لا يعطف على الماضي.وأجيب بالمنع، وفي العطف هاهنا ما لا يخفى من المبالغة حيث أخرج نسبة الرهق إليهم يوم القيامة مخرج المعلوم حيث جعل ذلك بواسطة العطف صلة الموصول، وقيل: إنه عطف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل: والذين كسبوا السيئات تجازي سيئتهم بمثلها وترهقهم ذلة ولعله أولى من الأول، وأما جعل الواو حالية والجملة في موضع الحال من ضمير {كَسَبُواْ} فلا يخفى حاله {مَّا لَهُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} أي ما لهم أحد يعصمهم ويمنعهم من سخط الله تعالى وعذابه فمن الأولى متعلقة بعاصم والكلام على حذف مضاف و{مِنْ} الثانية زائدة لتعميم النفي، أو ما لهم من جهته وعنده تعالى من يعصمهم كما يكون للمؤمنين فمن الأولى متعلقة بمحذوف وقع حالًا من {عَاصِمَ} وقيل متعلقة بالاستقرار المفهوم من الظرف وليس في الكلام مضاف محذوف، و{مِنْ} الثانية على حالها والجملة مستأنفة أو حال من ضمير {تَرْهَقُهُمْ} وفي نفي العاصم من المبالغة في نفي العصمة ما لا يخفى {والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَاء سَيّئَةٍ بِمِثْلِهَا} أي كأنما ألبست ذلك لفرط سوادها وظلمتها، والجار والمجرور صفة {قِطَعًا} وقوله سبحانه: {مُظْلِمًا} حال من {الليل} والعامل فيه متعلق الجار والمجرور فعلًا كان أو اسمًا.وجوز أبو البقاء كونه حالا من {قِطَعًا} أو صفة له، وكان الواجب الجمع لأن {قِطَعًا} جمع قطعة إلا أنه أفردت حاله أو صفته لتأويل ذلك بكثير ولا يخفى أنه تكلف مستغنى عنه، والظاهر أن {من} للتبعيض، وقال بعض المحققين: لليل معنيان زمان تخفى فيه الشمس قليلًا أو كثيرًا كما يقال دخل الليل والآن ليل وما بين غروب الشمس إلى طلوعها أو قربها من الطلوع، فمن إما تبعيضية على الأول وبيانية على الثاني، وجوز الزمخشري أن يكون العامل في الحال للتبعيض، وقال بعض المحققين: لليل معنيان زمان تخفى فيه الشمس قليلًا أو كثيرًا كما يقال دخل الليل والآن ليل وما بين غروب الشمس إلى طلوعها أو قربها من الطلوع، فمن إما تبعيضية على الأول وبيانية على الثاني، وجوز الزمخشري أن يكون العامل في الحال {أُغْشِيَتْ} من قبل أن {مِّنَ الليل وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَىِ النهار وَزُلَفًا مِّنَ الليل} ليس صلة أغشيت حتى يكون عاملًا في المجرور بل التقدير أنه صفة فيكون العامل فيه الاستقرار، وأيضًا الصفة {مِّنَ الليل} وذو الحال هو الليل فلا يكون {أُغْشِيَتْ} عاملًا في ذي الحال مع أنه المقصود وقد يقال: إن {مِنْ} للتبيين والتقدير كائنة من الليل فاغشيت عامل في الصفة وهي كائنة فكأنه عامل في {الليل} وهو مبني على أن العامل في العامل في الشيء عامل فيه وهو فاسد فالوجه أن يقال: إن {مِنْ} للتبعيض أي بعض الليل ويكون بدلًا من {قِطَعًا} ويجعل {مُظْلِمًا} حالا من البعض لا {مِّنَ الليل} فيكون العامل في ذي الحال {أُغْشِيَتْ} ولا يخفى أنه وجه أغشى قطعًا من ليل التكلف والتعسف مظلمًا.وأجاب الإمام أمين الدين بأنه نسبة {أُغْشِيَتْ} إلى {قِطَعًا} إنما هي باعتبار ذاتها المبهمة المفسرة بالليل لا باعتبار مفهوم القطع في نفسها وإنما ذكرت لبيان مقدار ما أغشيت به وجوههم وهو الليل مظلمًا فافضاء الفعل إلى {قِطَعًا} باعتبار ما لا يتم معناها المراد إلا به كافضاء الفعل إليه كما إذا قيل: اشتريت أرطالًا من الزيت صافيًا فإن المشتري فيه الزيت والارطال مبينة لمقدار ما اشترى صافيًا فالعامل في الحال إنما هو العامل اللفظي ولا يلاحظ معنى الفعل في الجار والمجرور من جهة العمل لغلبة العامل اللفظي عليه بالظهور ولا يخفى ما فيه.وقال في الكشف: إن الزمخشري ذهب إلى أن {أُغْشِيَتْ} له اتصال بقوله تعالى: {مِّنَ الليل} من قبل أن الصفة والموصوف متحدان لاسيما والقطع بعض الليل فجاز أن يكون عاملًا في الصفة بذلك الاعتبار وكأنه قيل أغشيت الليل مظلمًا وهذا كما جوز في نحو {وَنَزَعْنَا مَا في صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا} [الحجر: 47] أن يكون حالًا من الضمير باعتبار اتحاده بالمضاف وكأنه قيل: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا وكما جوز في {مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا} [البقرة: 135] لأن الملة كالجزء كأنه قيل: اتبعوا إبراهيم حنيفا وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري وهو سر هذا الموضع لا ما طوله كثيرون لاسيما حمل {مِنْ} على التجريد فإنه مع أن المعنى على التبعيض لا البيان وليس كل بيان تجريدًا لا يتم مقصوده انتهى.وقد عرض في ذلك بشيخه العلامة الطيبي فإنه عليه الرحمة قد تكلف ما تكلف والانصاف أن ما جوزه الزمخشري هنا مما لا ينبغي والسعي في إصلاحه مع وجود الوجه الواضح الذي لا ترهقه قترة يقرب من أن يكون عبثًا.وقرأ ابن كثير والكسائي ويعقوب وسهل {قِطَعًا} بسكون الطاء وهو اسم مفرد معناه طائفة من الليل أو ظلمة آخره أو اسم جنس لقطعة وأنشدوا:
وعلى هذا يجوز أن يكون {مُظْلِمًا} صفة له أو حالًا منه بلا تكلف تأويل.وقرئ: {كَأَنَّمَا يغشى وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مّنَ الله مِنْ} والكلام فيه ظاهر، والجملة كالتي قبلها مستأنفة أو حال من ضمير {تَرْهَقُهُمْ} {أولئك} أي الموصوفون بما ذكر من الصفات الذميمة {أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} لا يخرجون منها أبدًا واحتجت الوعيدية بهذه الآية على قولهم الفاسد بخلود أهل الكبائر.وأجيب بأن السيآت شاملة للكفر وسائر المعاصي وقد قامت الأدلة على أنه لا خلود لأصحاب المعاصي فخصصت الآية بمن عداهم، وأيضًا قد يقال انهم داخلون في الذين أحسنوا بناء على ما أخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن ابن عباس وأبو الشيخ عن قتادة أنهم الذين شهدوا أن لا إله إلا الله أي المؤمنون مطلقًا فلا يدخلون في القسم الآخر لتنافي الحكمين، وقيل: إن أل في السيئات للاستغراق فالمراد من عمل جميع ذلك؛ والقول بخلوده في النار مجمع عليه وليس بذاك. اهـ.
أي كل ضر.وذلك العموم مُغن عن الرابط بين الجملة الخبرية والمبتدأ، أو يقدر مجرور، أي جَزاء سيئةٍ منهم، كما قدر في قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذًى من رأسه ففدية من صيام} [البقرة: 196] أي فعليه.واقتصر على الذلة لهم دون زيادة ويَرهقهم قَتر، لأنه سيجيء ما هو أشد منه وهو قوله: {كأنما أغشيت وجوههم قطعًا من الليل مظلمًا}.وجملة: {ما لهم من الله من عاصم} خبر ثان، أو حال من {الذين كسبوا السيئات} أو معترضة.وهو تهديد وتأييس.والعاصم: المانع والحافظ.ومعنى {من الله} من انتقامه وجزائه.وهذا من تعليق الفعل باسم الذات، والمرادُ بعض أحوال الذات مما يدل عليه السياق مثل {حُرمت عليكم الميتة} [المائدة: 3].وجملة {كأنما أغشيت وجوهُهم} الخ بيان لجملة: {ترهقهم ذلة} بيانَ تمثيل، أو حالٌ من الضمير في قوله: {وترهقهم}.و{أغشيت} معدَّى غَشِي إذا أحاط وغَطا، فصار بالهمزة معدى إلى مفعولين من باب كسَا.وتقدم في قوله تعالى: {يُغشي الليلَ النهارَ} في [الأعراف: 54]، وقوله: {إذ يُغْشِيكُم النعاس} في [الأنفال: 11].والقِطع بفتح الطاء في قراءة الجمهور: جمع قِطعة، وهي الجزء من الشيء، سمي قطعة لأنه يُقتطع من كل غالبًا، فهي فعْلة بمعنى مفعولة نقلت إلى الاسمية.وقرأه ابن كثير والكسائي ويعقوب {قِطْعًا} بسكون الطاء.وهو اسم للجزء من زمن الليل المظلم، قال تعالى: {فاسر بأهلك بقِطْع من الليل} [هود: 81].وقوله: {مظلمًا} حال من الليل.ووصف الليل وهو زمن الظلمة بكونه مظلمًا لإفادة تمكن الوصف منه كقولهم: ليل أليل، وظل ظليل، وشعر شاعر، فالمراد من الليل الشديد الإظلام باحتجاب نجومه وتمكّن ظلمته.وشُبهت قَترة وجوههم بظلام الليل.وجملة: {أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} هي كجملة {أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} [يونس: 26]. اهـ.
|